منتدى "الاتحاد" السنوي الذي انعقد يوم الاثنين الماضي في "أبوظبي" وكان موضوعه هذا العام "تحديات الثقافة العربية في عصر العولمة"، بادرة عربية صحية وجيدة قامت بها ورعتها جريدة "الاتحاد"، وهو عمل يستحق الإشادة والتقدير كما جاء على ألسنة جميع الأساتذة العرب المشاركين في المنتدى. فأن يجتمع هذا الحشد من المفكرين والكتّاب العرب في هذا الزمن الصعب ليتحاوروا ويناقشوا واحدة من أخطر القضايا العربية التي تواجه الأمة حاضراً ومستقبلاً، وبحرية وديمقراطية، وأن يتفقوا ويختلفوا في سماحة فكرية في زمن فقدنا فيه كل أدوات ووسائل الحوار الفكري والتبادل السلمي للآراء بصورة متمدنة، وأصبحت فيه البندقية هي وسيلة وأداة الحوار بين فصائلنا القاتلة والمقتولة، هو خطوة تستحق الإشادة والتنويه ويستحق القائمون عليها والمشاركون فيها الثناء والتقدير. والموضوع الذي دار حوله حوار المنتدى "تحديات الثقافة العربية في عصر العولمة" هو أمر -برغم خطورته وأهميته الكبيرة- لا يلتفت إليه في أيامنا هذه إلا قليل، فالثقافة وقضاياها وهمومها لا تشغل في الفضاء القومي الرسمي والأهلي إلا مساحة تضيق، وينظر إليها أحياناً كثيرة كترف لا ينشغل به في مجرى ومسار الحياة اليومية الحافلة -كما يزعم بعضهم- بقضايا أهم من قضايا الثقافة وهموم المثقفين. والتحديات التي تواجه الأمة في حاضرها ومستقبلها القريب والبعيد كثيرة وخطيرة، وذلك قول صحيح، ولكنه صحيح أيضاً أن التحديات التي تواجه الثقافة العربية في عصر العولمة هي أخطرها وأعمقها أثراً على حياتنا، لأن ثقافتنا الوطنية بكل ما تحمله كلمة ثقافة من معانٍ وقيم، هي حقيقة حصن وخط دفاعنا الأول والأخير في عالم متبدل ومتجدد في أساليب وأدوات تفكيره، وفي مطالبه المادية والروحية وفي نظرته لأصل الحياة ومعنى الحياة، عالم مهما قيل عنه وعن عولمته فإننا لا نستطيع منه فكاكاً ولن نستطيع أن ننعزل عنه وأن نغلق أبوابنا في وجهه، لأنه لم يعد هنالك من "مزلاج" يمكن أن تقفل به الأبواب في عصر تقتحم فيه أدوات التقنية والمعلوماتية المتجددة، إن لم يكن كل ساعة فكل يوم، والحصانة الوحيدة المتاحة أمامنا وأمام أمثالنا من عوالم العالم الثالث، هي أن نتعرف جيداً على هذا العالم وأن نبحث جيداً عن حقائق وأوضاع ثقافاتنا الوطنية، عن نقاط الضعف ونقاط القوة فيها لكي تكون مساهمتنا الندية في تكوين وإثراء هذا العالم وعصره -عصر العولمة- قائمة على أساس من العلم والمعرفة، ومواصلة لمسيرة من الإسهام العربي الإسلامي في بناء الحضارة الإنسانية لا ينكرها عليها إلا مكابر. من هنا، فإن اختيار "وجهات نظر" لموضوع "تحديات الثقافة العربية في عصر العولمة" لموضوع هذا الملتقى السنوي، كان اختياراً موفقاً ومواكباً لما ينبغي أن يكون عليه جدول أعمالنا القومية لنواكب جدول أعمال العالم المزدحم من حولنا، فالشأن الثقافي اليوم في عصر العولمة أمر يشغل الدول والشعوب المتقدمة علينا والتي تتصور حقاً أنها بسبب قوتها وتفوقها الاقتصادي والعسكري، لم يعد لديها ما تخشاه على ثقافتها الوطنية من عصر العولمة. لقد ناقش المشاركون في "منتدى الاتحاد"، وهم نخبة من المفكرين والكتّاب العرب، هذه القضية الحيوية وذات الأثر العميق على حياتنا بما يليق بها من اهتمام بكل موضوعية وصراحة تليق بمكانتهم العلمية والفكرية، وإذا كانت ثقافة النخبة والمجتمع -وهي أحد محاور الحوار- قد احتلت في النقاش الموضوعي مكانة كبيرة، فإن النخبة المشاركة في تقديم الأوراق وفي المناقشات، قد أثبتت أن النخبة الملتزمة بقضايا الأمة وحقها في المعرفة والعلم والتقدم، قادرة على أن تسهم إسهاماً إيجابياً متميزاً عبر التاريخ العربي في قضايا أمتها كلها وليس إسهاماً قاصراً على واحدة من مناحي الحياة العربية. وحقيقة كما عبر كثيرون، فإن مجرد انعقاد المنتدى السنوي -وهذه دورته الثانية- أمر يسعد كل مثقف ومفكر وكاتب عربي يعرف حقيقة الزمن الصعب الذي نواجهه ويهتم بهموم أمته ويسعى ليعطي جهده ومساهمته من أجل تجاوز حاضر مقلق ومستقبل أكثر قلقاً.